فصل: (الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْمَعَاقِلِ):

الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
الْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الْعَقْلَ أَيْ يُؤَدُّونَ الدِّيَةَ وَتُسَمَّى الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقِلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسَكُ كَذَا فِي الْكَافِي.
عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ، وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهِمْ فِي الدِّيوَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فَإِنْ كَانَ غَازِيًا، وَلَهُ دِيوَانٌ يَرْتَزِقُ مِنْهُ لِلْقِتَالِ، فَعَاقِلَتُهُ مَنْ كَانَ فِي دِيوَانِهِ مِنْ الْغُزَاةِ، وَإِنْ كَانَ كَاتِبًا، وَلَهُ دِيوَانٌ يَرْتَزِقُ مِنْهُ، فَعَاقِلَتُهُ مَنْ كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ دِيوَانِ الْكُتَّابِ إنْ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيوَانٌ، فَعَاقِلَتُهُ أَنْصَارُهُ، فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْمَحَالِّ، وَالدُّرُوبِ يُحْمَلْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَنُصْرَتُهُ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ يُحْمَلْ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِلتَّنَاصُرِ، وَقِيَامِ الْبَعْضِ بِأَمْرِ الْبَعْضِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْ أَهْلُ السُّوقِ أَوْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَوْ الْعَشِيرَةُ بِحَالٍ إذَا وَقَعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمْرٌ قَامُوا مَعَهُ فِي كِفَايَتِهِ، فَهُمْ الْعَاقِلَةُ، وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَنَاصِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَمِنْ الْعَشِيرَةِ، وَالْمَحِلَّةِ، وَالسُّوقِ، فَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَنَاصِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فَالْمُتَنَاصَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُتَنَاصِرُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَالسُّوقِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَنَاصَرُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَعَاقِلَتُهُ عَشِيرَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَلَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا، وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ، الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَأَمَّا الْآبَاءُ، وَالْأَبْنَاءُ، فَقَدْ قِيلَ: يَدْخُلُونَ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَالزَّوْجُ لَا يَكُونُ عَاقِلَةَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ عَاقِلَةَ الزَّوْجِ، وَالِابْنُ لَا يَكُونُ عَاقِلَةَ الْأُمِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ثُمَّ الْقَاتِلُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّيَةِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُ أَحَدَ الْعَوَاقِلِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَطَاءٌ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ، وَالْمَجَانِينِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَصِيرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ دِيوَانٍ آخَرَ، وَكَانَ أَقْرَبُ الدَّوَاوِينَ فِي هَذَا الْمِصْرِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْأَبْعَدِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَأَقْرَبُ الدَّوَاوِينِ إلَى دِيوَانِ الْقَاتِلِ مَنْ يَكُونُ قَائِدَ ذَلِكَ الدِّيوَانِ مِنْ يَدِ قَائِدِ الدِّيوَانِ الَّذِي فِيهِ الْقَاتِلُ ثُمَّ لَوْ ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الدَّوَاوِينِ مِنْ هَذَا الْمِصْرِ، وَلَمْ يَكْفِ يُضَمُّ إلَيْهِ أَبْعَدُ الدَّوَاوِينِ مِنْ دَوَاوِينِ هَذَا الْمِصْرِ، وَهُوَ الدِّيوَانُ الَّذِي لَيْسَ قَائِدُهُ مِنْ يَدِ قَائِدِ الدِّيوَانِ الَّذِي فِيهِ الْقَاتِلُ، وَإِنَّمَا كَانَ قَائِدُهُ مِنْ يَدِ الْوَالِي ثُمَّ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ أَبْعَدُ الدَّوَاوِينِ، وَلَمْ يَكْفِ يُضَمُّ إلَيْهِ عَشِيرَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْمِصْرِ دِيوَانٌ هُوَ أَقْرَبُ إلَى دِيوَانِ الْقَاتِلِ إلَّا أَنَّهُمْ أَجَانِبُ مِنْ الْقَاتِلِ، وَدِيوَانٌ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ دِيوَانِ الْقَاتِلِ إلَّا أَنَّهُمْ عَشِيرَةُ الْقَاتِلِ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ أَقْرَبُ الدَّوَاوِينِ إلَى دِيوَانِهِ، وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَتَى اسْتَوَى دِيوَانَانِ فِي الْقُرْبِ أَحَدُهُمَا مِنْ عَشِيرَةِ الْقَاتِلِ مِنْ الْأَبِ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ دِيوَانُ الْعَشِيرَةِ، وَيُعْتَبَرُ النَّسَبُ تَرْجِيحًا، وَالتَّرْجِيحُ يُعْتَبَرُ أَوَّلًا بِالْقُرْبِ فِي الدِّيوَانِ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي الْقُرْبِ يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالنَّسَبِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
حُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْجَانِيَ إذَا كَانَ دِيوَانِيًّا، وَلِأَقْرِبَائِهِ دَوَاوِينُ أَيْضًا، فَعَقْلُهُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ فِي دِيوَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَعَلَى الْكُلِّ يَعْنِي عَلَى جَمِيعِ الْأَقْرِبَاءِ مِنْ دِيوَانِهِ، وَمِنْ دِيوَانِ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَانِي دِيوَانِيًّا، وَلَكِنْ لِأَقْرِبَائِهِ دَوَاوِينُ، فَعَقْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ أَقْرِبَائِهِ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ دِيوَانِيًّا، وَلَكِنْ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ دِيوَانٌ فِي الْمِصْرِ، وَلَا دِيوَانَ لِبَعْضِهِمْ، وَهُمْ يَسْكُنُونَ الرُّسْتَاقَ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ يَسْكُنُ الرُّسْتَاقَ، فَهُوَ عَلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الرُّسْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَهُوَ عَلَى جَمِيعِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الرُّسْتَاقِ، وَاَلَّذِينَ يَسْكُنُونَ الْمِصْرَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ يَسْكُنُ الْمِصْرَ، فَعَقْلُهُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ السَّاكِنِينَ فِي الْمِصْرِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَهُوَ فِي مَالِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّسْتَاقِ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيوَانٌ، وَلَا لِقَرَابَتِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَتَنَاصَرُ بِأَهْلِ الْحِرَفِ، فَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْفَضْلُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَنَاصَرُ بِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَعَقْلُهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَالْفَضْلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَنَاصَرُ بِالْمِصْرِ، فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَنْ لَا دِيوَانَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَنَحْوِهِمْ تَعَاقَلُوا عَلَى الْأَنْسَابِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَنَازِلُهُمْ، وَاخْتَلَفَ الْبَادِيَتَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ كَانَ الْبَدَوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ، وَلَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ فِي الْمِصْرِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ الْعَطَاءِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا يَعْقِلُ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَشِيرَةٌ، وَلَا دِيوَانٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ يَكُونُ فِي مَالِهِ، وَبِهِ أَخَذَ عِصَامٌ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ حُسَامُ الدِّينِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ أَوْ وَارِثٌ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْمِيرَاثِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا حَتَّى قَالَ: لَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا، فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ عَادَ الْمُسْتَأْمَنُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَأُسِرَ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ، فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَهُ رَقِيقٌ، وَلَوْ جَنَى هَذَا الْمُعْتَقُ، فَعَقْلُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمْ يَحْفَظُوا أَنْسَابَهُمْ، وَلَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَتَحَمُّلُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ عُرْفٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُضَيِّعُوا أَنْسَابَهُمْ، وَيَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِمْ الْعَجَمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْعَجَمِ عَاقِلَةٌ عِنْدَ التَّنَاصُرِ، وَالْمُقَاتَلَةِ مَعَ الْبَعْضِ لِأَجْلِ الْبَعْضِ نَحْوُ الْأَسَاكِفَةِ، وَالصَّفَّارِينَ بِمَرْوَ، وَدُرُوبِ الْخَشَّابِينَ وَكِلَابَاذَ بِبُخَارَى، فَإِذَا قُتِلَ وَاحِدٌ خَطَأً، وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، فَأَهْلُ مَحَلَّةِ الْقَاتِلِ وَرُسْتَاقُهُ عَاقِلَتُهُ، وَكَذَلِكَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّنَاصُرِ، وَاجْتِمَاعُ الْأَسَاكِفَةِ، وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَنَحْوِهِمْ لَا يَكُونُ لِلتَّنَاصُرِ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ التَّحَمُّلُ عَنْ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ تَنَاصُرُهُمْ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى، فَأَهْلُ مِصْرٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ أَنَّ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ، وَأُمٍّ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْكُوفَةِ، وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْبَصْرَةِ لَمْ يَعْقِلْ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلُ دِيوَانِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ، وَقُرَاهُمْ، وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ خَطَأً، فَلَمْ يَرْفَعْ إلَى الْقَاضِي حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ ثُمَّ رَفَعَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانِهِ قَضَى بِذَلِكَ فِي عَطِيَّاتِهِمْ، وَيَجْعَلُ الثُّلُثَ فِي أَوَّلِ عَطَاءٍ يَخْرُجُ لَهُمْ بَعْدَ قَضَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَقَضَائِهِ، وَبَيْنَ خُرُوجِ عَطِيَّاتِهِمْ إلَّا شَهْرٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالثُّلُثُ الثَّانِي فِي الْعَطَاءِ الْآخَرِ إذَا خَرَجَ إنْ أَبْطَأَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ عَجَّلَ قَبْلَ السَّنَةِ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ الثَّالِثُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
فَإِنْ عَجَّلَ لَهُمْ عَطِيَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا وَجَبَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ، فَالدِّيَةُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ مُعَجَّلَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ لَهُ عَطَاءٌ وَجَبَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، وَاسْتُعْقِلَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ خَرَجَ لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَجَبَ فِيهِ سُدُسُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تُسْعُ الدِّيَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِنْ كَانَ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ رِزْقٍ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَتْ لَهُمْ أَرْزَاقُ أَشْهُرٍ مَضَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُمْ أَرْزَاقُ أَشْهُرٍ مَضَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُؤْخَذُ مِنْهَا الدِّيَةُ بِالْحِصَّةِ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُؤْخَذُ مِنْ رِزْقِ كُلِّ شَهْرٍ نِصْفُ سُدُسِ ثُلُثِ الدِّيَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ خَرَجَ الرِّزْقُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْ رِزْقِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحِصَّةِ الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَعَطَاءٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي عَطِيَّاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي.
الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ، وَالْعَطَاءِ هُوَ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِلنَّاسِ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مُقَدَّرًا بِالْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ يُفْرَضُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَكُلِّ يَوْمٍ، وَالْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيُقَدَّرُ بِجَدِّهِ، وَعَنَائِهِ فِي بَابِ الدِّينِ لَا بِالْحَاجَةِ، وَالْكِفَايَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ، فَلَمْ يُقْضَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَتَّى حَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْكُوفَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَأُخِذَ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ أَوْ لَمْ يُؤْخَذْ ثُمَّ حَوَّلَ اسْمَهُ عَنْهُمْ، فَجُعِلَ فِي دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ الْعَقْلُ عَلَى دِيوَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَا يُحَوَّلُ إلَى دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ حِصَّتُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ، وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ، فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ حَتَّى تَحَوَّلَ مِنْ الْكُوفَةِ، وَاسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَصْرَةِ، وَلَوْ قُضِيَ بِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الْبَدَوِيُّ إذَا لَحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا قَتَلَ الْبَدَوِيُّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ خَطَأً فَعَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْبَادِيَةِ فِي عَشِيرَتِهِ، وَقَوْمِهِ يَجْمَعُ ذَلِكَ لَهُ عُرَفَاؤُهُ، وَيُؤْمَرُ وَلِيُّ الدَّمِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي بِلَادِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ جَنَى جِنَايَةً، فَلَمْ يُقْضَ بِهَا حَتَّى نَقَلَهُ الْإِمَامُ، وَقَوْمَهُ، فَجَعَلَهُمْ أَهْلَ عَطَاءٍ، وَجَعَلَ عَطَاءَهُمْ الدَّنَانِيرَ ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدَّنَانِيرِ دُونَ الْإِبِلِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِمْ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ نَقَلَهُ الْإِمَامُ، وَقَوْمَهُ إلَى الْعَطَاءِ، وَجَعَلَ عَطَاءَهُمْ الدَّنَانِيرَ أُخِذُوا بِالْإِبِلِ أَوْ بِقِيمَتِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُ الْعَطَايَا أُخِذَتْ قِيمَةُ الْإِبِلِ مِنْ عَطِيَّاتِهِمْ قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ عَطَاءِ الْكُوفَةِ جَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ جِنَايَةً، وَقُضِيَ بِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُمَّ أُلْحِقَ قَوْمٌ بِقَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دِيوَانٌ عَقَلُوا مَعَهُمْ، وَدَخَلُوا فِيمَا قُضِيَ، وَفِيمَا لَمْ يُقْضَ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا أَدَّوْا قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَلَمْ يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي، وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ، وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْكُوفَةِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَطَاءٌ مَعَهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً، فَأَقَامَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتَلَهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ بَعْدَ إقْرَارِهِ: لَا أَعْلَمُ بِبَيِّنَةٍ، فَاقْضِ لِي بِهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا فِي مَالِ الْمُقِرِّ ثُمَّ وَجَدَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَيِّنَةً، فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ إلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: لَا تُعَجِّلْ بِالْقَضَاءِ فِي مَالِهِ لِعَلِيِّ أَجِدُ بَيِّنَةً، فَأَخَّرَهُ الْقَاضِي ثُمَّ، وَجَدَ بَيِّنَةً قَضَى لَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ، وَقَبِيلَتُهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مَوْلَاةً لِبَنِي تَمِيمٍ تَحْتَ عَبْدٍ لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَعَاقِلَةُ الِابْنِ عَاقِلَةُ أُمِّهِ، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً، فَلَمْ يَقْضِ بِهَا الْقَاضِي عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ حَتَّى عَتَقَ الْأَبُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَوِّلُ، وَلَاءَهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ ثُمَّ يَقْضِي بِالْجِنَايَةِ الَّتِي قَدْ جَنَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ، وَلَا يُحَوِّلُهَا عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ ثُمَّ سَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ بَعْدَ عِتْقِ أَبِيهِ فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ حِينَ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَاقِلَةُ الْأُمِّ إنْ كَانَ الْجَانِي بَالِغًا، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، فَأَبُوهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ وَالَى رَجُلًا ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الثَّانِي كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ، وَوَالَى مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً عَقَلَتْ عَنْهُ عَاقِلَةُ الَّذِي وَالَاهُ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ أَوْ لَمْ يُقْضَ بِهَا حَتَّى أُسِرَ أَبُوهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ، وَأَعْتَقَهُ جَرَّ، وَلَاءَ ابْنِهِ ثُمَّ لَا يُرْجِعُ عَاقِلَةَ الَّذِي كَانَ، وَالَاهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَوَالِي الْأَبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي وَالَاهُ دُونَ عَاقِلَةِ أَبِيهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً، فَلَمْ يُقْضَ بِهِ حَتَّى، وَالَى رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْجِنَايَتَيْنِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَبَطَلَ مُوَالَاتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ، وَالَى رَجُلًا ثُمَّ، وَقَعَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ كَانَتْ دِيَتُهُ فِي مَالِهِ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى بِسَهْمٍ أَوْ حَجَرٍ خَطَأً، فَقَبْلَ الْإِصَابَةِ عَاقَدَهُ ثُمَّ، وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ، فَقَتَلَتْ رَجُلًا وَجَبَ الْعَقْلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُسْلِمَةً مَوْلَاةً لِبَنِي تَمِيمٍ جَنَتْ جِنَايَةً أَوْ حَفَرَتْ بِئْرًا، فَلَمْ يُقْضَ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى ارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ، فَأَعْتَقَهَا رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ ثُمَّ، وَقَعَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ، فَمَاتَ قُضِيَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ نَقَلَ أَهْلَ الْبَادِيَةِ إلَى الْأَمْصَارِ، فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَصَارُوا أَصْحَابَ عَطِيَّاتٍ ثُمَّ تَرَدَّى فِي تِلْكَ الْبِئْرِ إنْسَانٌ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ يَوْمَ تَرَدَّى كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ حَفَرَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ ثُمَّ أَبْطَلَ الْإِمَامُ عَطَاءَهُ، وَرَدَّهُ إلَى أَنْسَابِهِمْ، فَتَعَاقَلُوا عَلَيْهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ مَاتَ إنْسَانٌ فِي الْبِئْرِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَجَبَ الْمَالُ فِيهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ يَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ، فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ، وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ، فَلَمْ يُؤَدِّ كِتَابَتَهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ، وَابْنُهُ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ مَوْلَاةٍ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَالْمُكَاتَبُ لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، فَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ، فَإِنَّ عَاقِلَةَ الْأُمِّ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا لِيَقْتُلَ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ، فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي بِهَا عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِنْ كَانُوا اجْتَمَعُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَلِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ، فَكُلَّمَا أَخَذَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ شَيْئًا أَخَذَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ مِنْ عَاقِلَةِ الْآمِرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، فَقَضَى الْقَاضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ، فَأَدَّوْا الثُّلُثَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ، فَحَضَرُوا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَقْضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ الَّذِي أَدَّوْا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَيَبْدَأُ بِهِمْ فِي سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ قَبْلَ أَهْلِ الْجِنَايَةِ، وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ عَنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ، وَيَقْضِي بِالثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي السَّنَتَيْنِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَا أَخَذَ مِنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ ثُمَّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَعَلَى هَذَا ابْنُ الْمُكَاتَبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ، وَلَا كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذَا دَانُوا التَّعَاقُلَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاةُ فِيهِمْ ظَاهِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْقِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِنْ كَانُوا لَا يَدِينُونَ التَّعَاقُلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِذَا دَانُوا التَّعَاقُلَ إلَّا أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْجَانِي تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَا تَجِبُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(فَصْلٌ) إذَا لَمْ تَكُنْ لِقَاتِلِ الْخَطَأِ عَاقِلَةٌ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَكَذَا الْعَمْدُ الْمَحْضُ إذَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ يَجِبُ فِي مَالِهِ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَالْخَطَأُ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ بَلَغَ دِيَةً تَامَّةً كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ، فَصَاعِدًا كَذَا فِي الْكَافِي.
وَمَا وَجَبَ بِالْعَمْدِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ بِالصُّلْحِ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ أَوْ بِالْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ أَوْ مَا يَجِبُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَلْ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَفِي الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةُ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا لَزِمَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوا هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَأَمَّا حُكُومَةُ الْعَدْلِ إنْ كَانَتْ دُونَ أَرْشٍ الْمُوضِحَةِ أَوْ مِثْلَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِيَقِينٍ، فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنْ لَا تَتَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ، وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ، فَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ دَخَلَهُ شُبْهَةٌ، فَهُوَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأٍ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ صُولِحَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ، فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْأَجَلُ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِ الْجَانِي، فَذَلِكَ الْجُزْءُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ، وَذَلِكَ كَعَشَرَةٍ قَتَلُوا رَجُلًا خَطَأً، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدُوا، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمْ أَبُو الْمَقْتُولِ، فَفِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِالْفِعْلِ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رَجُلٌ قُتِلَ، فَجَاءَ رَجُلٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدَهُ، فَأَعْتَقَهُ، وَهُوَ حُرٌّ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ قُضِيَ لِوَارِثِهِ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ، وَبِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَلِمَوْلَاهُ قِيمَتُهُ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا جَرَحَ الرَّجُلُ عَمْدًا ثُمَّ أَشْهَدَ الْمَجْرُوحُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَجْرَحْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِشْهَادُ قَالُوا: هَذَا عَلَى، وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ جِرَاحَةُ فُلَانٍ مَعْلُومَةً عِنْدَ النَّاسِ وَالْقَاضِي، أَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً، فَهَذَا الْإِشْهَادُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ جِرَاحَةُ فُلَانٍ مَعْلُومَةً مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْقَاضِي، وَالنَّاسِ كَانَ الْإِشْهَادُ صَحِيحًا، فَإِنْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ جُرِحَ، فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ، فَأَقَامَتْ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ رَجُلٌ جُرِحَ، فَقَالَ فُلَانٌ: جَرَحَنِي ثُمَّ مَاتَ، فَأَقَامَ ابْنُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ابْنٍ لَهُ آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ خَطَأً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ، وَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَإِنْ كَانَا خَطَأً، فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ صَاحِبِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ، فَلَا شَيْءَ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا، وَالْآخَرُ عَبْدًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ، فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ عَمَّا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ هُدِرَتْ الْجِنَايَةُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا، وَالْآخَرُ عَبْدًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَعَلَى الْعَبْدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِذَا مَاتَ، فَقَدْ هَلَكَ، وَأَخْلَفَ بَدَلًا عَنْ نِصْفِهِ، وَهُوَ نِصْفُ قِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ فَيَسْتَوْفِي وَلِيُّ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ مِنْ عَاقِلَةِ الْحُرِّ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ قَدْرَ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا مَاشِيَيْنِ، فَاصْطَدَمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ.
وَلَوْ جَاءَ رَاكِبٌ خَلْفَ سَائِرِ، فَصَدَمَهُ، فَعَطِبَ الْجَانِي لَا ضَمَانَ عَلَى السَّائِرِ، وَلَوْ عَطِبَ السَّائِرُ، فَضَمَانُهُ عَلَى مَنْ جَاءَ خَلْفَهُ، وَكَذَلِكَ فِي السَّفِينَتَيْنِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فَارِسَانِ اصْطَدَمَا أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ وَاقِفٌ وَكَذَلِكَ الْمَاشِي، وَالْوَاقِفُ اصْطَدَمَا، فَعَلَى السَّائِرِ وَالْمَاشِي الْكَفَّارَةُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْوَاقِفِ، وَيَرِثُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ إنْ كَانَ بِفِعْلِ الرَّاكِبِ، وَالْمَلَّاحِ ضُمِّنَ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْأَنْفُسِ، وَفِي الْمَالِ يَضْمَنُ الْمَلَّاحُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مَدَّا حَبْلًا، فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ، فَسَقَطَا، وَمَاتَا قَالَ: إنْ سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا هُدِرَ دَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ سَقَطَا عَلَى الْوَجْهِ، وَمَاتَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ صَاحِبِهِ، وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا، وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ يُهْدَرُ دَمُ الَّذِي سَقَطَ عَلَى الْقَفَا، وَوَجَبَ عَلَى عَاقِلَتِهِ دَمُ الَّذِي سَقَطَ عَلَى الْوَجْهِ، وَإِنْ جَاءَ أَجْنَبِيٌّ، وَقَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَا، وَمَاتَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حُرٌّ مَعَهُ سَيْفٌ، وَعَبْدٌ مَعَهُ عَصًا، فَالْتَقَيَا، وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى قُتِلَ فَمَاتَا، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالضَّرْبِ فَلَيْسَ عَلَى، وَرَثَةِ الْحُرِّ، وَلَا عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ السَّيْفُ بِيَدِ الْعَبْدِ، وَالْعَصَا بِيَدِ الْحُرِّ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا، وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَشَجَّهُ مُوضِحَةً ثُمَّ مَاتَا، وَلَا يُدْرَى مَنْ الَّذِي بَدَأَ بِالضَّرْبِ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ صَحِيحًا لِمَوْلَاهُ ثُمَّ يُقَالُ لِمَوْلَاهُ: ادْفَعْ مِنْ ذَلِكَ قِيمَةَ الشَّجَّةِ إلَى وَلِيِّ الْحُرِّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ، فَجَذَبَ الرَّجُلُ يَدَهُ، فَانْفَلَتَتْ يَدُهُ إنْ كَانَ أَخَذَ يَدَهُ لِلْمُصَافَحَةِ، فَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ مِنْ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَ غَمَزَهَا، فَتَأَذَّى فَجَذَبَهَا، فَأَصَابَهُ ذَلِكَ ضَمِنَ أَرْشَ الْيَدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ، فَجَذَبَ الْآخَرُ يَدَهُ، فَسَقَطَ الْجَاذِبُ، فَمَاتَ نَظَرْتُ إنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيُصَافِحَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَعْصِرَهَا، فَآذَاهُ، فَجَذَبَهَا ضَمِنَ الْمُمْسِكُ لَهَا دِيَتَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُمْسِكِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَاذِبُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ رَجُلٌ قُتِلَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ، وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ فِي السِّجْنِ، وَعُوقِبَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى جَاءَ آخَرُ، وَأَخَذَ دَرَاهِمَهُ فَضَمَانُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْآخِذِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْمُمْسِكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، فَقَامَ صَاحِبُ الثَّوْبِ، فَانْشَقَّ ثَوْبُهُ مِنْ جُلُوسِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الثَّوْبِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ، فَأَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى وِسَادَةٍ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَإِذَا بِجَنْبِهَا قَارُورَةٌ، وَفِيهَا دُهْنٌ لَا يَعْلَمُ، فَانْدَقَّتْ، وَذَهَبَ الدُّهْنُ ضَمِنَ الْجَالِسُ الدُّهْنَ، وَمَا تَخَرَّقَ مِنْ الْوِسَادَةِ وَفَسَدَ، وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ تَحْتَ مُلَاءَةٍ قَدْ غَطَّاهَا، فَأَذِنَ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِالْجُلُوسِ عَلَى سَطْحٍ، فَانْخَسَفَ بِهِ، فَوَقَعَ عَلَى مَمْلُوكِ الْآذِنِ ضَمِنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا ضَمَانَ عَلَى الْجَالِسِ فِي الْوِسَادَةِ كَمَا فِي الْمُلَاءَةِ قَالَ: هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي إجَارَاتِ الْقُدُورِيِّ إذَا دَعَا الرَّجُلُ قَوْمًا إلَى مَنْزِلِهِ، فَمَشَوْا عَلَى بِسَاطِهِ أَوْ جَلَسُوا عَلَى وِسَادَتِهِ، فَتَخَرَّقَ لَمْ يَضْمَنُوا، وَلَوْ وَطِئُوا آنِيَةً، وَثَوْبًا لَا يُبْسَطُ مِثْلُهُ ضَمِنُوا، وَلَوْ قَلَبُوا إنَاءً بِأَيْدِيهِمْ، فَانْكَسَرَ لَمْ يَضْمَنُوا، وَلَوْ كَانَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، فَخَرَقَ السَّيْفُ الْوِسَادَةَ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ ضَيْفٌ، فَأَمَرَ الضَّيْفَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى وِسَادَةٍ، فَجَلَسَ، فَإِذَا تَحْتَ الْوِسَادَةِ صَبِيٌّ صَغِيرٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ، فَمَاتَ بِقُعُودِهِ فَإِنَّ الضَّيْفَ يَضْمَنُ دِيَتَهُ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْوِسَادَةِ مَمْلُوكٌ صَغِيرٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ تَحْتَ الْوِسَادَةِ إنَاءٌ مِنْ زُجَاجٍ لِغَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الصَّبِيِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فَصَدَ غَيْرَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
فِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ قَالَ قَتَلْتُ فُلَانًا، وَلَمْ يُسَمِّ عَمْدًا، وَلَا خَطَأً قَالَ أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَ دِيَتَهُ فِي مَالِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فِي الْفَتَاوَى عَنْ خَلَفٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو عَمَّنْ ضَرَبَ آخَرَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، وَمَاتَ مِنْهُ قَالَ: هَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ كَذَلِكَ إذَا أَلَحَّ فِي الضَّرْبِ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَّا لَوْ ضَرَبَهُ بِزَاجِرِهِ لَا يَخَافُ عَنْ مِثْلِهِ الْمَوْتَ، وَمَعَ هَذَا مَاتَ، فَهُوَ خَطَأٌ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْكَبِيرُ قَوْلُ أَسَدٍ أَحَبُّ إلَيَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ فِي رَجُلٍ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ، فَأَخَذَ الْمَضْرُوبُ السَّيْفَ بِيَدِهِ، فَجَذَبَ صَاحِبُ السَّيْفِ السَّيْفَ عَنْ يَدِهِ، فَقَطَعَ السَّيْفُ أَصَابِعَ الرَّجُلِ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَفَاصِلِ، فَعَلَى الْجَاذِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَفَاصِلِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ قَتَلَ عَبْدَ رَجُلٍ عَمْدًا، فَقَالَ السَّيِّدُ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ عَبْدِي لَا يَكُونُ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ قِيمَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِنَزْعِ سِنِّهِ لِوَجَعٍ أَصَابَهُ، وَعَيَّنَ السِّنَّ، وَالْمَأْمُورُ نَزَعَ سِنًّا آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، فَإِذَا حَلَفَ، فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَامِدٌ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
جِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ صَارَتْ نَفْسًا أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى مُكَاتَبِ الْغَيْرِ مَتَى صَارَتْ نَفْسًا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي كَمَا فِي الْقِنِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
كَسَرَ رَجُلَانِ سِنَّ رَجُلٍ خَطَأً فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَإِذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ، فَعَتَقَ لَا يُهْدَرُ السِّرَايَةَ، وَكَانَ عَلَى الْجَانِي قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ لَا الدِّيَةُ، وَإِنْ مَاتَ حُرًّا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ أَوْقَدَ نَارًا فِي بَيْتِهِ، فَاحْتَرَقَتْ دَارُ جَارِهِ لَا يَضْمَنُ إنْ أَوْقَدَ نَارًا يُوقَدُ مِثْلُهَا هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا أَلْقَى فِي التَّنُّورِ مِنْ الْحَطَبِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ التَّنُّورُ، فَأَحْرَقَ بَيْتَهُ، وَتَعَدَّى إلَى بُيُوتِ غَيْرِهِ، فَأَحْرَقَهَا ضَمِنَ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَمَرَ ابْنَهُ لِيُوقِدَ لَهُ نَارًا فِي أَرْضِهِ، فَفَعَلَ، وَتَعَدَّتْ إلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا يَضْمَنُ الْأَبُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَحَّ، فَانْتَقَلَ فِعْلُ الِابْنِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْأَبُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ شَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُل أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا فُلَانًا، وَشَهِدَ آخَرَانِ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَيْضًا أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا فُلَانًا سَمَّيَا ابْنًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ الَّذِي سَمَّيَاهُ الْأَوَّلَ، فَزَكَّى الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ، وَلَمْ يُزَكِّ الْفَرِيقَ الثَّانِيَ، فَدَفَعَ عَلَيْهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ: أَنَا أَقْتُلُكَ بِابْنِي الَّذِي لَمْ يُزَكِّ الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَا أَقْتُلُكَ بِابْنِي الَّذِي زَكَّى الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: مَا قَتَلْتُ ابْنِي الَّذِي زَكَّى الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُ ابْنًا آخَرَ لِي، وَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي كَنْزِ الرُّءُوسِ إذَا نَظَرَ فِي بَابِ دَارِ إنْسَانٍ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَنْحِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ فَقْءِ الْعَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ يَضْمَنُهُ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَرَمَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
فِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَخَوَيْنِ لِأَبٍ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِكُوفَةَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ وَكَزَ أَرْبَعَةٌ رَجُلًا فَسَقَطَ بِضَرْبِهِمْ سِنُّ الْمَضْرُوبِ، وَانْكَسَرَ سِنٌّ آخَرُ مِنْهُ فَلَوْ عُرِفَ آخِرُهُمْ ضَرْبًا تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي جَارِيَةٍ قَتَلَتْ ابْنَ رَجُلٍ عَمْدًا، فَدَفَعَهَا الْمَوْلَى إلَى أَبِي الْمَقْتُولِ، فَوَطِئَهَا أَبُو الْمَقْتُولِ، فَوَلَدَتْ، فَقَالَ مَوْلَى الْجَارِيَةِ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ لِتَقْتُلَهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَقْتُولِ لَا بَلْ صَالَحْتَنِي عَلَيْهَا مِنْ الدَّمِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَعُقْرَهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ، وَلَا سَبِيلَ لِأَبِي الْمَقْتُولِ عَلَى الْجَارِيَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا لَوَى ثَوْبًا، فَضَرَبَ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ، فَأَوْضَحَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ هَذَا مَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي سَبَبِهِ دُونَ مُسَبَّبِهِ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَا يَجِبُ فِي سَبَبِهِ، وَيَجِبُ فِي مُسَبَّبِهِ أَنْ يُهَشِّمَهُ بِالْحَدِيدِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي سَبَبِهِ، وَمُسَبَّبِهِ أَنْ يَشُجَّهُ مُوضِحَةً بِحَدِيدَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي سَبَبِهِ وَلَا مُسَبَّبِهِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِخَشَبٍ عَظِيمٍ، فَيَمُوتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَشْلَى كَلْبًا عَلَى غَنَمِ آخَرَ فَنَفَرَتْ وَذَهَبَتْ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَجُلَانِ مَدَّا شَجَرَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمَا فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
دَخَلَتْ دَابَّتُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ تُفْسِدُهُ فَلَوْ دَخَلَ لِيَخْرُجَهَا يُفْسِدُهُ أَيْضًا لَكِنْ أَقَلَّ مِنْ الدَّابَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةُ غَيْرِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْرَجَهَا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ رَأَى حِمَارَهُ يَأْكُلُ حِنْطَةَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ حَتَّى أَكَلَهَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَجُلٌ بَعَثَ غُلَامًا لِإِنْسَانٍ فِي حَاجَةٍ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ إنَّ الْغُلَامَ رَأَى صِبْيَانًا يَلْعَبُونَ فَانْتَهَى إلَيْهِمْ وَارْتَقَى فَوْقَ بَيْتٍ فَوَقَعَ مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ صَارَ غَاصِبًا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ ضَرَبَ أُنْثَى رَجُلٍ فَانْتَفَحَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ غَصَبَ مِرْبَطًا وَشَدَّ فِيهِ دَوَابَّهُ فَأَخْرَجَهَا مَالُك الْمِرْبَط صَارَ ضَامِنًا.
وَفِي الْعُيُونِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ حِمَارَ غَيْرِهِ أَوْ بَغْلَهُ بِقَطْعِ يَدِهِ أَوْ بِذَبْحِهِ إنْ شَاءَ صَاحِبُهُ ضَمَّنَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ وَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.